بسام البدارين
يبدو أن اللقاء الذي جمع الرئيس محمود عباس والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني كان حافلا ليس فقط بالمعطيات وتبادل المشورات، ولكن ببعض المفاجآت أيضاً بعد ما لاحظه الجميع من تسارع غير مسبوق في مستويات التنسيق التي تستهدف العودة لفرض القضية الفلسطينية على الطاولة.
أجندة القمة الفلسطينية الأردنية التي تمت في مدينة العقبة، ليست متاحة بصورة علنية وعامة لجميع الأطراف، لكن زيارته بعد فترة أطول من المعتاد تكتسب أهمية استثنائية في ظل بنية الظروف الحالية في الإقليم والعالم والمنطقة، خصوصاً أن عباس اتجه من العقبة إلى القاهرة للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. يحصل ذلك بوضوح مباشرة، وبعد نحو 3 أيام على الأكثر لاتصال هاتفي جمع الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب جو بـايدن بالـعاهل الأردني المـلك عبد الله الثـاني.
الاستعداد للسيناريو الأسوأ المقبل عبر مساحة تنسيق مشتركة
ويبدو أن هذا الاتصال ناقش عملياً العودة لخيار حل الدولتين الذي يعتبره الأردن أساساً لأي عملية اشتباك لها علاقة بأي تسوية سياسية من أي نوع.
لا أحد يستطيع توقع الأجندة التي حضر بها الرئيس عباس إلى الأردن، والتي تعرف بدورها بأن قطار مبادرة المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس تعرقل قليلاً مؤخراً كما تعرف بأن رئيس السلطة الفلسطينية يبحث في خياراته المتاحة بنفس الوقت.
في الأثناء، تبدو المنطقة وعشية التحضير لإدارة الرئيس بايدن، بصدد ترسيم «سيناريو ما» لا يزال غامضاً له علاقة بالأردن وفلسطين، الأمر الذي يرجحه سياسي رفيع المستوى من وزن طاهر المصري، مطالباً مجدداً بالانتباه مخففاً من الاندفاع نحو التفاؤل بأحجام غير واقعية بعد إدارة الرئيس بايدن وانتخابها.
الانطباع قوي لدى الوسط السياسي الأردني عشية استقبال الرئيس عباس، في أول زيارة له خلال مرحلة الفيروس كورونا، بأن المسألة قد يكون لها علاقة ليس بالاستشعارات والاتصالات التي جرت بين عمان وأبو ظبي وأطراف في إدارة بايدن فقط، ولكن أيضاً لها علاقة بضغط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للاحتفال بإعادة تنسيق العلاقات والاتصالات مع الأردن، تحديداً بعد فترة طالت نسبياً من القطيعة.
يرى بعض المحللين بأن فوز بايدن يساهم في عودة الأردن إلى مسرح الحدث، وأن نتنياهو وعواصم عربية أخرى، بينها أبو ظبي والقاهرة، يدركان هذا المستجد، فيما عمان لا تزال تقفل الباب في وجه نتنياهو وتسأل وتستفسر خلف الكواليس عن ما الذي يريده من الأردن تحديداً.
ثمة ما يشير إلى أن اللقاء الأردني الفلسطيني، ظهر الأحد، قد يساهم في ترسيم مسار ثنائي يحدد ما إذا كان التواصل مع نتنياهو مفيداً في هذه المرحلة أم غير منتج؛ فالرئيس عباس يريد الغطاء الأردني إذا خطط للقاء نتنياهو، وفرصة الأخير بزيارة عمان مثلاً قد تصبح أكبر بعد استقبال عباس وإذا ما اتضحت الأجندة؛ لأن البوصلة الأردنية تتموقع وتتكثف مرحلياً خلف برنامج عمل محدد لا يقبل مساساً أو انتقاصاً من الوصاية الهاشمية في القدس قبل الانتقال إلى تفعيلات الاشتباك في الوضع النهائي.دون ذلك، ثمة مرونة أردنية في بقية التفاصيل.
وثمة، بالتوازي، استعداد براغماتي للتعامل مع الحقائق والوقائع بعدما اختفى الضغط الذي تمثله إدارة الرئيس دونالد ترامب، وحضر للإدارة طاقم ترى المؤسسة الأردنية أنه سيكون أقل ضغطاً وتشنجاً، ويؤمن -وقد سمعت «القدس العربي» ذلك في مواقع قرار- بمسألتين في غاية الأهمية بالنسبة لاستراتيجية الاشتباك الأردنية، وهما:
– أولاً، ارتفاع نسبة واحتمالية العودة لخيار حل الدولتين.
– ثانياً، المألوف والمنقول عن الرئيس بايدن وطاقمه المفترض عندما يتعلق الأمر بالحرص على وجود هوية، ولو محدودة أو صغيرة، عربية أو فلسطينية في القدس الشرقية تحديداً، الأمر الذي يوفر حماية للوصاية الهاشمية بالنتائج.
تلك حسابات ناقشتها «القدس العربي» أيضاً مع خبير مثل الوزير السابق وعضو مجلس الأعيان وجيه العزايزة، الذي يقف إلى جانب الرأي القائل بأن بعض الأمور تغيرت، وبعضها الآخر قابل للتغيير دون الإفراط في التفاؤل وبالترافق، مع التأكيد على ثبات المواقع المرجعية الأردنية وضرورة الانتباه لرفع مستويات التنسيق مع الشريك الفلسطيني.
وهذه حسابات لا تزال مفتوحة على الاحتمالات حتى عندما تكون الأوساط الأردنية بانتظار رسالة ما من جهة نتنياهو أو مبعوث ما من طاقم الرئيس بايدن، حيث الجاهزية لا تتطلب فقط بقاء الأردن في سياقه المصلحي ضمن محوره الطبيعي تاريخياً وجغرافياً مع الأشقاء، كما درج على القول رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، ولكن تتطلب تقييم السيناريوهات كلها حتى في الاتجاهات المتعاكسة، وتحفيز الرئيس عباس على جملة تكتيكية لا تبقيه منقطعا عن محور أبو ظبي – القاهرة – عمان، أملاً ليس فقط في إنتاج مواقف موحدة قادرة على الاختراق وتغيير المعطيات، ولكن أيضاً في سياق الاستعداد للسيناريو الأسوأ والميل إلى التعامل بكفاءة قدر الإمكان مع متطلبات الواقع السياسي وتسهيل الأمور على الرئيس الأمريكي الجديد، بالتلازم مع تخفيف الكلف والأضرار، حيث لا مساحات مناورة لا أردنية ولا فلسطينية ولا عربية اليوم خارج هذا السياق.